-1-
|
وللحظةٍ غمرتْكَ بالقبلاتِ
|
ثم نأت متوجةً بخوصٍ أبيضٍ
|
في أي نهرٍ سوف تنغمس الأناملُ؟
|
أيّ ماءٍ سوف يبتلّ القميصُ بهِ؟
|
وأيةُ نخلةٍ ستكون مُتّكأً؟
|
وهل يَسَّاقطُ الرُطَبُ الجَنِيّ؟
|
أكان جذعُ النخلةِ المهتزُّ أقصى ما تحاول مريمُ؟
|
الأشجارُ موسيقى،
|
وهذي الشقة البيضاءُ في بيروت ما زالت أمام البحرِ
|
تخفق في البعيد مدينة مائية أخرى
|
وألمحُ وجه جَدّي: زرقةَ العينين، والكوفية الحمراءَ
|
ألمحُ في الحواجز وجهَ مريمَ،
|
في المحاور خطوةَ الملكِ المتوّجِ بالقذيفةِ
|
يدخل الرومانُ منتظمين كردوساً،
|
وقوميون يقتتلون في الدكانِ.
|
مريمُ في مدينتها،
|
وأنت تراقب الطرقَ البعيدة: هل تجيءُ اليومَ؟
|
كانت عند مزبلة الرصيفِ
|
وأوقدتْ نيرانَها،
|
ومضتْ متوجةً بأدخنةٍ،
|
تباركت المدينةْ.
|
لهفي عليكَ وأنتَ مشتعلُ
|
في الليلِ خلف الساترِ الرملِ
|
هل كان ينبض دونك الأملُ
|
أم كان يخفق منتأى الخيلِ؟
|
كلما جئتُ بيتاً تذكرتُ بيتا
|
كلما كنتُ حيّاً تناسيتُ ميْتا
|
غير أن الذي جئتُهُ
|
غير ان الذي كنتُهُ
|
لم يعدْ لي
|
لم يعدْ غيرَ ظِلّ
|
وليكنْ!
|
إن ظلاً يصيرْ
|
خيرُ ما يُرتجى في ظلام المسيرْ
|
- 2 -
|
لو كنتُ أعرفُ أين مريمُ
|
لاتَّبعتُ النجمَ نحو بلادها،
|
لكنّ مريمَ خلّفتني في المتاهة منذُ أن رحلتْ
|
وقالت: سوف تلقاني إذا أحببتَني.
|
في الرمل أبحثُ عن أناملها
|
وفي أطلال "عينِ الحلوةِ" السوداءِ عن عينينِ،
|
في باب "الوكالة" أسألُ الشبّانَ: هل مرّتْ؟
|
وبين صحيفةٍ وصحيفةٍ أتسقّطُ الأنباءَ
|
في المذياع، أمس، سمعتُ صوتاً: صوتَ مريمَ؟
|
أم تراها تسكن الطلقاتِ
|
بين الليلكيّ وبين حيّ السلّمِ المنخوبِ؟
|
بيروتُ التي استندتْ الى أحجارها
|
فزّتْ كطير البحرِ،
|
والعشاقُ يمتشقون رشاشاتهم
|
والبحرُ يهدأُ
|
ينصتُ الأطفالُ للصوتِ المباغتِ ...
|
في البعيد حرائق " ،
|
والطائراتُ تدورُ في أفقٍ رصاصيٍّ
|
لكِ العشاقُ والطلقاتُ ... مريمُ
|
تدخلين، إذن ؟
|
تعالي ...
|
هذا الفضاءُ نظلُّ نطرقهُ
|
حتى نرى في الوحشةِ العَلَما
|
حتى يدور الطيرُ نُطلِقُهُ
|
نحو النجومِ ليطلق القَسَما
|
في البراري فلسطينُ، في قبّراتِ المخابئ
|
في الرصاص الكثيفِ
|
وفي صيحةِ الراجمةْ
|
في الأغاني فلسطين، في الخصلة الفاحمة
|
في قميص الشهيدْ
|
في حديدٍ يردّ الحديدْ
|
في يدٍ
|
في زنادْ
|
في اقتراب البلادْ
|
-3-
|
ها نحن، مريمُ، نرسمُ الطرقاتِ في الليلِ الملبّدِ
|
نرصدُ الطلقاتِ تتبعنا
|
ونقفز مثل عصفورين مذعورين بين قذيفةٍ وقذيفةٍ
|
ها نحن، مريمُ، نهبط الدرجاتِ نحو الملجأ الليلي،
|
نحصي الطائراتِ مغيرةً
|
ونقولُ: آمَنّا ...
|
ونمشي،خلسةً، للبحرِ
|
نجلس خلف أكياس الترابِ
|
ونرقب الأمواجَ تهدرُ، والشبابَ مقاتلينَ ...
|
ثيابُهم مخضّرة" كالصخر عند شواطئ المتوسطِ
|
انتظري قليلاً، كي نقول لهم: سلاماً
|
كي نباركَ بالدموع سلاحَهم
|
كي نمسحَ الخصلاتِ بالماءِ القليلِ
|
ونمضغَ الخبزَ المجفف صامتينَ ...
|
ومريم، المرآةُ والرؤيا،
|
بشارةُ أن نموتَ ممجّدينَ
|
وأن نعيشَ كما يعيش الرفقةُ البسطاءُ
|
مريمُ تسكنُ الميلادَ
|
تسكن في الدم العربيّ
|
نتبعها، وتتبعنا
|
ولكنا، هنا، في قسوةِ اللحظاتِ
|
ننسج من عباءتها هويتَنا
|
وندخلُ في القيامةْ
|
في الموقع الحجريّ رايتُنا
|
مغروزة في وقفةِ الزمنِ
|
سنظل نغرزها ونغرزها
|
حتى نفجّرَ نبعةَ الوطنِ
|
وليكنْ ما يكونْ
|
وليكنْ أن يجيء الجنونْ
|
وليكنْ ...
|
إننا القادمونْ
|