شعر مكتوب
الشعر واحد من الفنون الأدبية الراقية والرائعة، وفي البداية كان الشعر يُحفظ ويُتداول ككلمات بين معجبيه، لكن منذ بدأ التدوين والكتابة ظهر الشعر في صورة مكتوبة، على شكل دواوين ومجموعات شعرية، وسنعرفكم هنا إلى بضعة أبيات شعر مكتوب تستحق القراءة بالتأكيد.
المحتويات:
شعر مكتوب لمحمود درويش:
ما زال في صحونكم بقية من العسل |
ردوا الذباب عن صحونكم |
لتحفظوا العسل! |
*** |
ما زال في كرومكم عناقيد من العنب |
ردوا بنات آوى |
يا حارسي الكروم |
لينضج العنب .. |
*** |
ما زال في بيوتكم حصيرة .. وباب |
سدوا طريق الريح عن صغاركم |
ليرقد الأطفال |
الريح برد قارس .. فلتغلقوا الأبواب .. |
*** |
ما زال في قلوبكم دماء |
لا تسفحوها أيّها الآباء .. |
فإن في أحشائكم جنين .. |
*** |
مازال في موقدكم حطب |
و قهوة .. وحزمة من اللهب . |
شعر مكتوب لأحمد مطر:
هو من يبتدئ الخلق |
وهم من يخلقون الخاتمات |
هو يعفو عن خطايانا |
وهم لا يغفرون الحسنات! |
هو يعطينا الحياة |
دون إذلال |
وهم، إن فاتنا القتل، |
يمنّون علينا بالوفاة! |
شرط أن يكتب عزرائيل |
إقراراً بقبض الروح |
بالشكل الذي يشفي غليل السلطات! |
** |
هم يجيئون بتفويض إلهي |
وإن نحن ذهبنا لنصلي |
للذي فوضهم |
فاضت علينا الطلقات |
واستفاضت قوة الأمن |
بتفتيش الرئات |
عن دعاء خائن مختبئ في السكرات |
و بر فع الـبصـمات |
عن أمانينا |
وطارت عشرات الطائرات |
لاعتقال الصلوات! |
** |
ربنا قال |
بأن الأرض ميراث الـتـقـاة |
فاتقينا وعملنا الصالحات |
والذين انغمسوا في الموبقات |
سرقوا ميراثنا منا |
ولم يبقوا لنا منه |
سوى المعتقلات! |
** |
طفح الليل.. |
وماذا غير نور الفجر بعد الظلمات؟ |
حين يأتي فجرنا عما قريب |
يا طغاة |
يتمنى منكم خيركم |
لو أنه كان حصاة |
أو غبارا في الفلاة |
أو بقايا بعـرة في إست شاة. |
هيئوا كشف أمانيكم من الآن |
فإن الفجر آت. |
أظننتم، ساعة السطو على الميراث، |
أن الحق مات؟! |
لم يمت بل هو آت!! |
شعر مكتوب لبدر شاكر السياب:
عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ، |
أو شُرفتان راح ينأى عنهما القمر . |
عيناك حين تبسمان تورق الكرومْ |
وترقص الأضواء ... كالأقمار في نهَرْ |
يرجّه المجذاف وهْناً ساعة السَّحَر |
كأنما تنبض في غوريهما، النّجومْ ... |
وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيفْ |
كالبحر سرَّح اليدين فوقه المساء، |
دفء الشتاء فيه وارتعاشةُ الخريف، |
والموت، والميلاد، والظلام، والضياء؛ |
فتستفيق ملءَ روحي، رعشة البكاء |
ونشوةٌ وحشيَّةٌ تعانق السماء |
كنشوة الطفل إِذا خاف من القمر |
كأن أقواس السحاب تشرب الغيومْ |
وقطرةً فقطرةً تذوب في المطر ... |
وكركر الأطفالُ في عرائش الكروم، |
ودغدغت صمت العصافير على الشجر |
مطر ... |
مطر ... |
مطر ... |
تثاءب المساء، والغيومُ ما تزالْ |
تسحُّ ما تسحّ من دموعها الثقالْ |
كأنِّ طفلاً بات يهذي قبل أن ينام: |
بأنَّ أمّه – التي أفاق منذ عامْ |
فلم يجدها، ثمَّ حين لجّ في السؤال |
قالوا له: "بعد غدٍ تعودْ .. " |
لا بدَّ أن تعودْ |
وإِنْ تهامس الرفاق أنهَّا هناكْ |
في جانب التلّ تنام نومة اللّحودْ |
تسفّ من ترابها وتشرب المطر؛ |
كأن صياداً حزيناً يجمع الشِّباك |
ويلعن المياه والقَدَر |
وينثر الغناء حيث يأفل القمرْ . |
مطر .. |
مطر .. |
أتعلمين أيَّ حُزْنٍ يبعث المطر؟ |
وكيف تنشج المزاريب إِذا انهمر؟ |
وكيف يشعر الوحيد فيه بالضّياع؟ |
بلا انتهاء – كالدَّم المراق،كالجياع، |
كالحبّ،كالأطفال، كالموتى – هو المطر! |
ومقلتاك بي تطيفان مع المطر |
وعبر أمواج الخليج تمسح البروقْ |
سواحلَ العراق بالنجوم والمحار، |
كأنها تهمّ بالشروق |
فيسحب الليل عليها من دمٍ دثارْ . |
أَصيح بالخليج: "يا خليجْ |
يا واهب اللؤلؤ، والمحار، والرّدى! " |
فيرجعُ الصّدى |
كأنّه النشيجْ: |
" يا خليج |
يا واهب المحار والردى .. " |
أكاد أسمع العراق يزْخرُ بالرعودْ |
ويخزن البروق في السّهول والجبالْ، |
حتى إِذا ما فضَّ عنها ختمها الرّجالْ |
لم تترك الرياح من ثمودْ |
في الوادِ من أثرْ . |
أكاد أسمع النخيل يشربُ المطر |
وأسمع القرى تئنّ، والمهاجرين |
يصارعون بالمجاذيف وبالقلوع، |
عواصف الخليج، والرعود ، منشدين : |
" مطر ... |
مطر ... |
مطر ... |
وفي العراق جوعْ |
وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ |
لتشبع الغربان والجراد |
وتطحن الشّوان والحجر |
رحىً تدور في الحقول ... حولها بشرْ |
مطر ... |
مطر ... |
مطر ... |
وكم ذرفنا ليلة الرحيل، من دموعْ |
ثم اعتللنا – خوف أن نلامَ – بالمطر ... |
مطر ... |
مطر ... |
ومنذ أنْ كنَّا صغاراً، كانت السماء |
تغيمُ في الشتاء |
ويهطل المطر، |
وكلَّ عام – حين يعشب الثرى – نجوعْ |
ما مرَّ عامٌ والعراق ليس فيه جوعْ . |
مطر ... |
مطر ... |
مطر ... |
في كل قطرة من المطر |
حمراءُ أو صفراء من أجنَّة الزَّهَرْ . |
وكلّ دمعةٍ من الجياع والعراة |
وكلّ قطرة تراق من دم العبيدْ |
فهي ابتسامٌ في انتظار مبسم جديد |
أو حُلمةٌ تورَّدتْ على فم الوليدْ |
في عالم الغد الفتيّ، واهب الحياة ! |
مطر ... |
مطر ... |
مطر ... |
سيُعشبُ العراق بالمطر ... " |
أصيح بالخليج: "يا خليج .. |
يا واهب اللؤلؤ، والمحار، والردى!" |
فيرجع الصدى |
كأنَّه النشيج : |
" يا خليج |
يا واهب المحار والردى . " |
وينثر الخليج من هِباته الكثارْ ، |
على الرمال،: رغوه الأُجاجَ، والمحار |
وما تبقّى من عظام بائسٍ غريق |
من المهاجرين ظلّ يشرب الردى |
من لجَّة الخليج والقرار، |
وفي العراق ألف أفعى تشرب الرَّحيقْ |
من زهرة يربُّها الفرات بالنَّدى . |
وأسمع الصدى |
يرنّ في الخليج |
" مطر .. |
مطر .. |
مطر .. |
في كلّ قطرة من المطرْ |
حمراء أو صفراء من أجنَّةِ الزَّهَرْ . |
وكلّ دمعة من الجياع والعراة |
وكلّ قطرةٍ تراق من دم العبيدْ |
فهي ابتسامٌ في انتظار مبسمٍ جديد |
أو حُلمةٌ تورَّدت على فم الوليدْ |
في عالم الغد الفتيّ ، واهب الحياة . " |
ويهطل المطرْ .. |
مراجع: