حلقة «ما بتقطع» مع الفنان الشامل جورج خبّاز على منصة «هنا لبنان»، من إعداد وتقديم الإعلامية رنا أسطيح، لم تكن مجرّد لقاء ضمن برنامج حواري مصوَّر؛ بل رحلة غوص عميق في إنسانٍ يسبق الفنان، وفنانٍ لم يفصل يومًا موهبته عن إنسانيته.
كانت حلقة تُشاهَد بالقلب قبل العين. حلقة كشفت قصة فنان لا يكتفي بالوقوف تحت الضوء، بل يجرؤ على تعرية كل هواجسه وأسئلته الوجودية واشكالياته الفنية والإنسانية ليواجهها بصدق ويحوّلها حبراً يكتب فيه حكاية فن وشغف وصدق.
من مهرجان البحر الأحمر السينمائي، حيث شارك فيلم «يونان» للمخرج أمير فخر الدين ضمن المسابقة الرسمية، إلى جائزة أفضل ممثل التي حصدها جورج خباز للمرة الرابعة عن الدور نفسه، بدا الانتصار أكبر من مجرّد تتويج. كان انتصار الاستمرارية والصدق والرهان على النصّ والإنسان. وعندما أهدى جائزته إلى لبنان، لم يكن ذلك خطاب شكرٍ عابرًا، بل اعتراف بدينٍ لوطنٍ منحه مخزونه الإنساني والاجتماعي والثقافي والفني… وطنٌ يسكنه ويسكن أدواره.
على مسرح يضجّ بنجوم العالم — أولئك الذين كان يشاهدهم طفلًا بشغف — وقف جورج خبّاز مكرَّمًا بينهم: أنتوني هوبكنز، جوني ديب، إدريس ألبا، رئيس لجنة التحكيم المخرج الحائز جوائز أوسكار شون بايكر، وعضو لجنة التحكيم نادين لبكي. نادين التي شاركها خبّاز كتابة «كفرناحوم» والتمثيل في «أصحاب ولا أعز»، والتي وصفها بأنها فخر للبنان وقيمة إنسانية، وعبّر عن تأثّره الشديد بكلامها الصادق عندما وصفته هي بدورها بأنه فخر لوطنه.
تحدّث جورج عن علاقته بالجمهور لا من برجٍ عاجي، بل من مستوى النظر في العيون. قال إن حبّ الناس له غير مشروط، ولذلك يشعر بمسؤولية مضاعفة تجاههم حتى في لحظات التعب والإرهاق. فالفنان — كما قال بمعنى الكلام — يدخل بيوت الناس، يجلس في صالوناتهم، يشاركهم ضحكهم وبكاءهم… فكيف يقابلهم ببرودة؟
ووجّه نصيحته لزملائه الفنانين: استقبلوا الجمهور باللهفة نفسها، لأن اللقاء البارد يترك ندبة لا تُمحى.
وعن “العالميّة”، فكّك الكلمة بعيدًا عن البهرجة وسمّاها «مطّاطة». أكّد أنه يكفيه فخرًا أنه لبناني، وأن من يريد الوصول إلى العالم عليه أن يحمل هويته على كتفيه لا أن يتخلّى عنها. واستشهد بنجيب محفوظ الذي نال نوبل للآداب بأعمال انطلقت من أزقّة الحارة المصرية… فالمحلّي الصادق هو الطريق الأقصر إلى العالمي.
في حديثه عن مسرحية «خيال صحرا»، من تأليفه واخراجه وبطولته الى جانب عادل كرم ومن انتاج طارق كرم، روى خبّاز ظروف ولادة هذا العمل المسرحي الذي تحوّل الى ظاهرة جماهيرية وتوقّف عند النجاح الكبير الذي حققته (70 ألف مشاهد خلال ثلاثة أشهر). لم يُخفِ هواجسه عندما اتخذ قرار العودة إلى المسرح بعد غياب أربع سنوات، وشبّه نفسه بلاعب كرة قدم ابتعد عن ملعبه الأساسي (شاتو تريانو) ليعود إلى ملعب جديد (كازينو لبنان)، بلاعبين مختلفين وأجواء مغايرة. كما وصف الشعور الغامر الذي انتابه أمام محبة الجمهور وامتلاء الصالات، من بيروت إلى دبي، مؤكّدًا امتنانه لهذه الثقة.
موقفه من المسرح كان موقف ابن الشارع النبيل: الثقافة ليست حكرًا على أحد، والمسرح لا يجوز أن يُقصي الناس بسعر بطاقة. هو ابن الباص والسرفيس، ابن الأرض والناس البسطاء… ولم ينسَ ذلك يومًا.
وعن غيابه عن دراما رمضان هذا العام، كشف أنه اعتذر عن عرضين مهمّين من «إيغل فيلمز» وشركة «الصبّاح»، بسبب ضغط أعماله المسرحية والسينمائية. وهنا أعلن مفاجأته الكبيرة: دخوله بلاتوه تصوير فيلم لبناني جديد من كتابته وبطولته مطلع 2026، إلى جانب التحضير لعمل مسرحي جديد قيد الإعداد.
وتحدّث عن الثنائيات التمثيلية مع نجمات بحجم نادين لبكي، كاريس بشّار، أمل عرفة، ووصَف هذا النوع من الشراكة بلعبة «بينغ بونغ»: تركيز، ذكاء، وتبادل طاقة لا يحتمل الأنانية.
وعندما وصل إلى عام 2025، قال: "ممنون عينها مهنيًا"، لكنه لم ينسَ أنها أوجعته إنسانيًا: عملية القلب المفتوح لوالدته، رحيل زياد الرحباني، وانكساره حين رأى دموع والده الذي شارك زياد مسرح «سهرية». لحظة لم يتمالك فيها نفسه… لأن الكبار، مهما اشتدّوا، ينهارون أمام خسارات الوطن والأهل.
حتى الأكاديميا العالمية طرقت بابه، حين أعدّت طالبة إيطالية أطروحة دكتوراه عن مجمل أعماله بلغة لا يتقنها… لكنه فهم معناها جيدًا: أثره وصل. أما شهادات الكبار فكانت أوسمة إضافية: ريمون جبارة قال بعد أن شاهده على المسرح: «الآن صار بإمكاني أن أموت»، ونصحه ألا يلاحق المال والشهرة، بل الشغف… وعندها سيلحق به المال والشهرة. أنطوان ملتقى ظنّه خرّيج معهد الفنون، وشارك معه في فيلم «غدي» رغم سنّه المتقدّم حينها. ودريد لحّام، الذي يصرّ على حضور معظم أعماله، يراه خبّاز مدرسةً تعلّم منها الكثير، خصوصًا الذكاء في إدارة الموهبة.
حلقة «ما بتقطع» لم تمرّ مرور الكرام، لأنها لم تكن عن «نجم» فقط… بل عن مشروع إنساني مستمر. ولأن رنا أسطيح عرفت كيف تُنصت، لا كيف تسأل فقط. حلقة تُذكّرنا أن الفن الحقيقي لا نُصفّق له فحسب، بل يكون اختبار حياة وشهادة صدق لا متناه.
يمكنكم مشاهدة الحلقة الكاملة على قناة "هنا لبنان" على يوتيوب على الرابط التالي: